مسألة خلود النفس عند ابن سينا الفلسفة العربية



خلود النفس عند ابن سينا

كيف برهن ابن سينا على خلود النفس؟ وما هي طبيعة الخلود برأيه؟

لم ينشغل ابن سينا بماهية النفس وطبيعتها فقط ، انما كان شغفه بالمصير اقوى حضورا في فلسفته النفسية. وقد وجد نفسه أمام رأيين متناقضين : أحدهما يقول بفناء النفس بفناء الجسد وذلك هو رأي ارسطو والاخر يرفض الفناء للنفس ويؤكده للجسد وذلك هو رأي افلاطون. فما كان موقف ابن سينا من هذه المسألة الحساسة؟ وهل اتت آراؤه متوافقة مع رأي الدين الذي يعتنقه ابن سينا ؟ 

هو مأزق حقيقي واجهه ذلك الفيلسوف المسلم: فإن هو أنكر الخلود والبعث يكون قد أنكر أصلا من أصول الدين خاصة وإن الكلام في القرآن عن الخلود والبعث والثواب والعقاب صريح في آيات القرآن ... وإن هو أقر الخلود ، فكيف السبيل لاثبات ذلك عقليا ؟

 

يرى ابن سينا أن النفس وإن كانت مع البدن فإنها لا تفسد بفساده، إذ ان البدن  ليس علة لها.  فالنفس ذات روحانية بسيط غير مركبة وبالتالي غير قابلة للفساد والانحلال.
اذا النفس لا تموت بموت الجسد انما تعود الى حياة ثانية يوم المعاد . والمعاد هو "الموضع الذي يصير إليه الإنسان بعد الموت" .

اعتبر ابن سينا النفس جوهرا لأنها تقوم بذاتها . وهي صورة بالمعنى الأرسطي فحقيقة الذات الإنسانية تكمن في اعتبارها نفسا لا جسما. 

كما ان  النفس جوهر روحاني مستقل فليس البدن سوى آلة له، فإن زوال هذه الآلة لا يصيب هذا الجوهر. بهذا يقر ابن سينا بالحقيقة الروحانية للإنسان وينتج عن ذلك اعتقاده بخلود النفس وبالمعاد الروحي . يقول "إعلم أن الجوهر الذي هو الإنسان في الحقيقة لا يفنى بعد الموت، ولا يبلى بعد المفارقة عن البدن بل هو باق لبقاء خالقه تعالى. وذلك لأن جوهره أقوى من جوهر البدن، لأنه محرك البدن ومديره ومتصرف به. والبدن منفصل عنه تابع له. فإذاً لم يضر مفارقته عن الأبدان وجوده..." إلى أن يقول:" فإذا مات البدن وخرب تخلص جوهر النفس عن جنس البدن"

 

أدلة ابن سينا على خلود النفس


ويقدم ابن سينا أدلة عقلية على ذلك :

برهان المغايرة :

النفس برأي ابن سينا جوهر مغاير للبدن واتصالها بالبدن هو اتصال عرضي . ولكي يبرهن على ذلك يقول ابن سينا ان اتصال النفس بالجسد لا يخلو من احد الاحتمالات الثلاثة التالية :

- اما ان تكون متكافئة للجسد في وجوده 

- واما تكون متأخرة عنه في الوجود 

- واما تكون متقدمة عليه في الوجود

 كل هذه الاحتمالات باطلة بحسب ابن سينا ، وذلك لانه ينتج عن  الاحتمال الاول افتراضه ان تكون النفس والجسد شيئا واحدا ، والواقع ان النفس مغايرة للبدن وهي شيئا اخر غيره . 

وينتج عن الافتراض الثاني ان يكون الجسم هو علة وجود النفس والواقع ان البدن منفعل وليس فاعلا . 

واما الافتراض الثالث فانه ينتج عنه ان يكون الجسم خاضعا للنفس والنفس في الواقع كما استنتج ابن سينا ليست متقدمة على الجسد بالوجود وعلاقتها به ليست علاقة سابق بلاحق. 

وببطلان هذه الافتراضات الثلاث يرى ابن سينا ان تعلق النفس بالجسد واتصالها به هو تعلق بالاضافة . واذا كان الامر كذلك وجب ان يكون مصير النفس مختلف عن مصير الجسد.

برهان البساطة :

النفس جوهر بسيط ، والبسيط لا يفسد ولا يتجزأ . ومن المستحيل ان تقبل البسائط الوجود والعدم في آن واحد لان الوجود هو صفة ذاتية لكل الجواهر ومن بينها النفس . فلو كان لها مصير الفناء ، لوجب ان تكون النفس مركبة لا بسيطة . ولكن النفس بسيطة وهي بالتالي خالدة ومصيرها مختلف عن مصير الجسد.

البرهان المتافيزيقي:

بما ان النفس هي جوهر فانها من عالم مفارق للمادة يسميه ابن سينا بعالم الامر . ومعلوم ان الجواهر لا تفنى بل انها خالدة باقية . والنفس كذلك ، لا بد من بقائها لبقاء خالقها على عكس البدن فهو ينتمي لعالم المادة ، العالم الفاني الفاسد . 

ويستعمل ابن سينا دليلا على ذلك هو حالة الانسان اثناء النوم : فعندما ينام الانسان تتوقف حركة جسده وتبقى النفس مطلعة على عالم الغيبيات (كما في الرؤى) وما ذلك الا دليل على بقائها بعد الموت واستقلال مصيرها عن مصير الجسد. يقول في هذا الصدد : "ثم أن الإنسان في نومه يرى الأشياء ويسمعها، بل يدرك الغيب في المنامات الصادقة بحيث لا يتيسر له في اليقظة.  فهذا برهان قاطع على أن جوهر النفس غير محتاج إلى هذا البدن، بل هو يضعف بمقارنة البدن ويقوى بتعطله" .

المعاد الروحاني / طبيعة الخلود: هل هو جسدي أم مادي؟ أم الإثنين معا؟

عادة ، تربط مسألة المعاد بعد الموت بمبدأ الثواب والعقاب . والموقف من المعاد ليس واحدا عند جميع من تناول هذه المسألة ؛ فهناك من يرفض المعاد ، وهناك من يؤكد على معاد الانفس فقط ، وهناك اخيرا من يؤكد على المعاد النفسي والجسدي .

 وابن سينا ، يعتبر ان مصير النفس مختلف عن مصير الجسد ، وكذلك هي خالدة لذا فانها ستبعث يوم القيامة ولكن هذا البعث سيكون للانفس وليس للاجساد . يستند ابن سينا في رايه هذا على دليلين :

1- لا يمكن للارواح ان تعود للاجساد بعد الموت لان الاجساد بعد الموت تفسد ويختلط بعضها ببعض وتصبح ترابا فيغتذي به النبات ومن ثم يتغذى الحيوان على النبات ، ويتغذى الانسان على الحيوان والنبات معا ويتسال ابن سينا هنا : هل يعاد الجسم مع ما تكون معه وعلى ذلك فان الاعادة ستكون فقط للجسم الذي تغذى على الاجسام الاخرى ،او يعاد الآكل من دون المأكول وبذلك يكون ناقصا ؟ 

2- ايضا يرى ابن سينا ان الجسم لا يتكون الا بطريقة طبيعية اعتاد عليها الجميع ،هي مرور الجسم بمراحل واطوار متكون عبرها من خلال اختلاط الاخلاط الاربعة التي منها يتكون منها كل موجود مادي والمقصود بها الماء والهواء والنار والتراب ويتم ذلك عبر الغذاء الذي يتغذى عليه الانسان وهذا غير ممكن ووارد في العالم الاخر لذا فان بعث الاجساد غير ممكن .

ولكن ابن سينا يذكر في كتابه " النجاة " ان المعاد لا يمكن تصديقه الا بالايمان من طريق النبوة اما العقل فيرفض امكانية عودة الاجسام بعد فنائها يوم البعث . 

مراتب النفوس في الاخرة :

يرى ابن سينا ان السعادة والشقاء في الاخرة روحانيان ايضا . ومصيرها هذا مرتبط باعمالها في الحياة الدنيا . وقسم الانفس في الاخرة الى مراتب :

النفوس العالمة : 

وهي نفوس الذين بلغوا فضيلة العقل وحققوا درجة قصوى من السعادة ، وهم العارفون بالله ، هم في اعلى حال واسعد بال .

النفوس العالمة الفاسقة : 

وهي انفس حصلت كمالاتها العقلية الضرورية ، وحصلت لها في الوقت نفسه هيئات رديئة . هذه الانفس سيكون لها عذاب في الاخرة يطهرها من آثامها ثم تنعم الى الابد .

النفوس الناقصة :

وهي نفوس المنغمسون في الظلمات الطبيعية ومصيرها الشقاء المطلق .

اضغط على الرابط لمتابعة الشرح:



"غرضنا في جميع ما نستقريه ونتفحصه استعمال العدل لا اتباع الهوى، ونتحرى في سائر ما نميزه وننقده طلب الحق لا الميل مع الآراء" ابن الهيثم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق