اللاوعي النفسي: نظرية فرويد في اللاوعي والصراع النفسي وتكوين الشخصية


اللاوعي النفسي: نظرية فرويد في اللاوعي والصراع النفسي وتكوين الشخصية

اهتم الفلاسفة من بداية التفكير الفلسفي بالانسان ككائن عاقل يتميز بقدرته على التفكير ويعي ذاته وافعاله النفسية .

بقي هذا الرأي سائدا حتى العصر الحديث مع الفلسفة الحديثة التي رفضت وجود لاوعي نفسي واكدت على ان اللاوعي هو جسدي بينما ما هو نفسي هو وعي .

الا انه وبدءا من النصف الاثني من القرن التاسع عشر ظهرت آراء جديدة في موضوع النفس الانسانية ، احتل معها اللاوعي الحيز الاساسي لا سيما مع فرويد الذي أسس مدرسة التحليل النفسي يحتل اللاووعي النفسي المركز فيها .

وقبل فرويد أشار كل من شوبنهاور ونيتشيه لوجود لاوعي نفسي :

يقول شوبنهار : " ان دوافعنا الواعية ليست سوى واجهة تخبىء دوافعنا اللاواعية التي نجهلها ولا نشعر بها مباشرة " .

ويقول نيتشيه : " ان قيمنا الاخلاقية تصدر غالبا عن غرائز أنانية عدوانية جنسية ".

يتبين من هذه الاقوال ان الحياة النفسية مكونة من جزئين واع لاواع .

كيف اكتشف فرويد اللاوعي النفسي؟

عمل فرويد مع الطبيب " بروير" في معالجة الامراض العصبية . وقد لاحظ الطبيبان ان المرضى المصابين بمرض الهيستريا يتحسنون بعد اخضاعهم لجلسات التنويم المغناطيسي الذي من خلاله يكتشف الطبيب السبب الاساسي للمرض النفسي الذي سبب الهيستيريا .

لكن لاحظ فرويد ان المرضى يتعرضون مرة جديدة للأعراض الهيستيرية ، مما جعل فرويد يتخلى عن طريقة التنويم المغناطيسي كونها لاانسانية في التعامل مع المرضى ولأن المرض النفسي يعود للظهور من جديد . لهذا استبدلها بطريقة التحليل النفسي التي يتحرر من خلالها المريض من المكبوتات التي سببت مرضه.

 

ما هو التحليل النفسي ؟

التحليل النفسي طريقة في العلاج النفسي يعتمد فيها الطبيب على مؤشرات تظهر له من خلال جلسات التحليل النفسي. ففي جلسات العلاج يكون المريض مدعوا للتحدث وبشكل حر عن اي شيء يخطر في باله . وعلى الطبيب ان ينتبه لادق التفاصيل او العبارات او ردات الفعل التي تظهر على المريض اثناء جلسة التحليل . كما عليه ان يركز على التداعيات الحرة التي يلجأ اليها المريض أثناء الكلام ، والتي تقود الطبيب مباشرة الى السبب الحقيقي للكبت الذي حدث وسبب المرض النفسي .

كما اكتشف فرويد ان للاحلام وزلات اللسان والنسيان والافعال الناقصة دورا اساسيا في الاستدلال على السبب الاساسي للمرض . وقد قادته التجارب (جلسات التحليل النفسي للمرضى) الى اكتشاف الدور الاساسي للكبت الجنسي في حصول العقد النفسية . ىولهذا شدد من خلال تقنيات التحليل النفسي على تخليص المريض من الكبت وذلك بتحويل اللاوعي الى وعي ، فعندما يعي المريض سبب مرضه يحصل له الشفاء .

أدلة فرويد على وجود اللاوعي النفسي:

 يقدم فرويد ادلة عديدة على وجود اللاوعي  ، منها ما يظهر على الانسان السوي ومنها ما يظهر على الانسان الغير سوي (المريض)

اولا : مظاهر اللاوعي التي تظهر على الانسان السوي :

- الأفعال الناقصة:

هي افعال غير مقصودة يقوم الانسان بدون قصد ، رأى فرويد فيها دليلا على وجود اللاوعي النفسي فمن يضيع خاتم الزواج فانه في الحقيقة يرغب في التخلص من رباطه الزوجي ...

- زلات اللسان او القلم :

وهي الهفوات والاخطاء التي يقولها الانسان ا يكتبها بدون قصد . ايضا هي براي فرويد دليل على وجود اللاوعي .

(وقف اساتذ في الجامعة يثني على على سلفه فاذا به يقول امام الحفل : لا يسعني الا ان اهنئه على "جموده" في البحث عضا عن ان يقول "جهوده" في البحث )

- النسيان :

يرى فرويد انه احيانا ينسى الانسان لاسباب لااعية مثلا ينسى شخص موعدا لا يرغب في الذهاب اليه حقيقة ، او نسيان هدية الزوج في حالة المرأة التي تعاني من مشاكل مع زوجها ...

 - الأحلام:

اكتسب الحلم معنى جديدا عند فرويد.  الاحلام بحسب فرويد هي الطريق الملكي لاكتشاف اللاوعي النفسي :فالاحلام هي المدخل العريض لسبر غور اللاوعي فقد اعطى فرويد للاحلام بعد لاواعيا ترتبط بالحياة اللاواعية فصارت تعبر عن ذات الشخص وليست غريبة عنه .

الحلم يعبر عن رغبات مكبوتة لذا انه ذات بعد نفسي وذو معنى انساني وشخصي

واهمية الحلم انه حارس النوم وانه يجسد الرغبات اللاواعية في صراعها مع الانا والانا الاعلى ...

وتفسير الاحلام يجب ان يكشف من خلال المحتوى الظاهر للحلم عن الرغبات المكبوتة وذلكل بواسطة الرموز التي يتكون منها الحلم

مظاهر اللاوعي على الانسان الغير سوي :

مظهر آخر يدل على أن الحياة النفسية حياة  لاواعية. هي من وجهة نظر فرويد تعبير مرضي تسلكه الرغبة المكبوتة فيظهر أعراضا قسرية تظهر الاختلال الواضح في السلوك.

من الامراض النفسية نذكر الذهان وهو اضطراب في الوظائف العقلية ناتج عن اضطراب شامل في الشخصية يمنع الفرد من التكيف مع الوسط الاجتماعي مثل مرض انفصام الشخصية .

ايضا من الامراض النفسية العصاب وهو خلل نفسي سببه الصراع النفسي اللاواعي اثر حدث حدث في الطفولة يظهر في صورة اعراض نفسية وجسدية مثل الهيستيريا ، القلق ، الوسواس القهري الخ ....

فرويد يصل نتيجة حاسمة أن المظاهر السابقة تعبر عن ثغرات الوعي و هي تؤكد على وجود حياة نفسية لاواعية.

و بتعبير فرويد تكون هذه المظاهر "حجة لا ترد" على وجود اللاوعي.

مكونات الجهاز النفسي:

يشرح لنا فرويد لكي نفهم آلية عمل  اللاوعي وتكونه من خلال الحديث عن الاقسام الثلاثة للجهاز النفسي وهي:

 الهو:

يمثل أول جزء يتكون من اجزاء  الجهاز النفسي. يحتوي على كل موروث طبيعي وغرائزي . أي ما هو موجود بحكم الولادة. بحيث  يمثل الهو  حضور الطبيعة فينا بكل بدائيتها و حيوانيتها المتمثلة  بالغرائز وبخاصة الغريزة الجنسية . و هذه الأخيرة محكومة بمبدأ اللذة : فالهو لا يفكر بل يشتهي ويرغب ويسعى وراء تحقيق هدفه .

الأنا:

هي ذلك الوجه الواعي من الانسان والذي يميز الفرد . هو جهز ضبط وتحكم بطاقات الهو ويشكلها وينظمها بما يتلاءم مع الواقع . للانا دور في حفظ الذات من خلال تخزينها للخبرات المتعلقة بها في الذاكرة. كما لها دور في تنظيم واشباع الرغبات الصادرة عن الهو لا سيما الرغبات الجنسية ( يمكن اشباعها ضمن رابط زواج شرعي مثلا )

الأنا الأعلى:

هي قوة في النفس تمثل حضور المجتمع بأوامره و نواهيه وحضور الثقافة فينا . هو ناشىء عن التربية التي يتلقاها الطفل في عائلته ومن المجتمع ايضا ، فيتشكل من مجموعة العادات والتقاليد والاعراف الخ ... للانا الاعلى دورا اسياسيا في حصول الكبت واحداث الصراع النفسي اذ يقوم بالضغط على الانا الذي يسعى بدوره الى التوفيق بين مطالب الهو و أوامر و نواهي المجتمع . يلزم ن ذلك صد الرغبات وكبتها . و كبت الرغبة لا يعني موتها ، فهي تتحين الفرصة لتظهر في مظهر مقبول اجتماعيا مثل الاحلام أو النسيان أو زلات اللسان أو الافعال الناقصة .

المراحل التي يمر بها الليبيدو:

يعرف فرويد الليبيدو بانه الطاقة الجنسية المكبوتة نتيجة الصراع النفسي الذي يحدث في سنين الطفولة المبكرة بين اقسام الجهاز النفسي التي تظهر تباعا مع نمو الطفل .

والليبيدو يمر بمراحل عديدة :

المرحلة الفمية : وهي المرحلة التي تظهر في رغبة الطفل في الرضاعة التي لا تؤمن له الغذاء فقط انما لذة ذات طابع جنسي بحسب فرويد.

المرحلة الشرجية : تتمحور لذة الطفل في هذه المرحلة بوظائف اخراج الفضلات (البراز) وعندما يحصل تثبيت هذه المرحلة تنشأ عند الطفل العدوانية (السادية ) وفيها يميل الطفل الى تكسير وتحطيم الاشياء وتعذيب الاشخاص الموجودين حوله .

المرحلة التناسلية : وفي هذه المرحلة يكتشف الطفل هويته الجنسية فتظهر عده الميول الجنسية الطفولية ولكن نتيجة تهديد الاب تنشا عنده العقدة الاوديبية (نسبة لاسطورة اوديب) في هذه المرحلة نجد الطفل الذكر يتماهى بابيه ويعمل على ازاحته ليبعده عن امه كما نجد البنت تتعلق بابيها وتتماهى بامها وتعمل على ازاحتها وابعادها عن ابيها .

 

قيمة نظرية اللاوعي عند فرويد:

لقد احدثت نظرية فرويد ثورة جديدة في علم النفس حيث ان سلوك الانسان ناتج عن الصراع بين حاجاته العضوية وضغط قوانين المجتمع . وقد ساهم هذا الاكتشاف الاطباء النفسانيين في مساعدة مرضاهم على التخلص من المشاكل النفسية التي يقعن تحت تأثيرها فالتحليل النفسي الفرويدي اظهر ان سلوك الانسان ناتج عن مكبوتات لاواعية مؤثرة فيه مما  ساهم في علاج الاضطرابات النفسية.

ولكن نظرية اللاوعي الفرويدي بالغت كثيرا في اعلاء دور الكبت الجنسي والغريزة الجنسية في التاثير على مجمل الشخصية الانسانية والحضارة الانساية عموما ( نتاجات الانسان الحضارية هي استثمار لطاقات الليبيدو)

كما ان فرويد لم يشرح لنا كيف تنقلب الرغبات الجنسية الى قيم أخلاقية سامية . وابرز ما يؤخذ على تلك النظرية هي تشويهها لنقاوة الطفولة البريئة حيث اعتبرته عدوانيا انانيا محكوما بالغريزة الجنسية .

كانت للمبالغة في القول باللاوعي انتقادات لاذعة يمكن إجمالها في اثنين:

 

اللاوعي بعد فرويد :

 

نظرية اللاوعي عند أدلر :

إن  الشخصية عند آدلر لا تتكون من مجموعة الغرائز الجنسية المكبوتة كما يرى فرويد .فالانسان هو كائن إجتماعي، تتشكل حياته من خلال المعايير الأخلاقية والثقافية والاجتماعية. ويشير أدلر أن للظروف الاجتماعية والاقتصادية أثراً هاماً على دوافع سلوك الانسان وعلى تكوين تفكيره، كما ركز آدلر على موضوع علاقات الإنسان ووجوده الاجتماعي في الكشف عن العوامل التي تحدد سلوك الكائن البشري وميوله الاجتماعية ودينامية التفاعل بين العالم الخارجي للشخصية وعالم العلاقات العامة.

وكذلك من تصورات آدلر للفرد انه كائن ذو نقائص وعيوب ، وانه يحاول طوال حياته سد النقص او تصحيح العيب في شخصيته (التعويض )وهكذا تظهر الابداعات والنجاحات البشرية ( ديموستين كان يتاتىء اصبح فيما بعد افضل خطيب ، وكذلك بتهوفن كان لا يسمع الا الصوت العالي جدا قدم لنا اروع المقطوعات الموسيقية ) هكذا آمن أدلر بالقوة الخلاقة والمبدعة للفرد، وهذا ما يعكس فكرته بالرغبة الاجتماعية والاعتقاد بأن الناس قادرين على التعاون من أجل خلق مجتمع سليم ومقبول خلقياً.

اما طريقة العلاج فهي تعتمد على الحوار بين المعالج والمريض والذي يبين من خلاله المعالج نقاط الضعف في شخصيته ونقاط القوة وارشاده الى كيفية تجاوز الضعف فالانسان هو " اللوحة والرسام معا "

 

نظرية اللاوعي عند يونغ :

يتحدث غوستاف يونغ عن وجود نوعين من اللاوعي : الفردي  ( وهو مجموعة الخبرات الذاتية التي يحملها كل انسان والتي ينفرد بها ) واللاوعي الجمعي (وهو مجموعة الخبرات الاجتماعية التي نتوارثها ونحملها معنا في لاوعينا ) . كما يؤكد على ان العلاج النفسي يرتبط بتحديد الأنماط  التي ينتمي اليها المريض فبرأيه هناك نمطين : المنفتح وهو الشخص الذي تنجح معه طريقة فرويد في التحليل النفسي المعتمد على التداعيات الحرة والكلام مع المريض وتوجيهه نحو مواجهة مكبوتاته وتحويلها الى وعي . أما النمط الثاني فهو النمط المنغلق الذي يحتاج في علاجه لطريقة ادلر بحيث يرفض ان يعترف المريض بمشكلاته النفسية لانه يعتقد ان به نقص ما وعلى الطبيب ان يكتشف ما هو النقص عند هذا المريض فيدله على سبل تفاديه ومواجهته .

اضغط لمتابعة الشرح:


 

-

"غرضنا في جميع ما نستقريه ونتفحصه استعمال العدل لا اتباع الهوى، ونتحرى في سائر ما نميزه وننقده طلب الحق لا الميل مع
 الآراء" ابن الهيثم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق